لماذا الأمير مفكّر يحكم بذكاء السياسي؟ لأنه نقل السعودية نقلاتٍ نوعية في الإدارة، فبعد «الملف الأخضر العلاقي» أصبحت المملكة تتحدّث بمنطق الرؤية، وحرّر المجتمع من قيود الصحوة لا عبر الصدام، بل بإعادة الدين إلى أصالته الرحيمة المتصالحة مع الحياة، بعيداً عن الكهنوت الذي عبث بالمجتمع طويلاً! أضف إلى ذلك أنه أطلق مشاريع لا نقول عنها إنها ضخمة، بل نقول إنها لم تكن حتى في الخيال، وأيّ شخصٍ يقول غير ذلك فهو غير صادقٍ ولا نزيه. فمثلاً: مدينة نيوم، وذا لاين، والدرعية، والبحر الأحمر، كلّها تبرهن على أن محمد بن سلمان فيلسوف يحكم بلداً وليس مجرّد سياسي ناجح، لأنه لم يفكّر في إدارة ما هو موجود على أكمل وجه كما يفعل السياسيون الناجحون، بل تجاوز ذلك إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان والطبيعة، وكذلك علاقة الإنسان بالطبيعة البشرية بعد أن كانت في غيبوبة لمدة تتجاوز أربعين عاماً!
في التعليم، وضع أسساً جديدة لمجتمع معرفي حديث، فاستقطب فروع الجامعات العالمية داخل المملكة، ووجّه بتطوير المناهج بما يواكب المستقبل لا الماضي، بحيث تعيش الأجيال حاضرها ناظرة إلى مستقبلها، وليس كما كان في السابق، بحيث كانت الأجيال تعيش تعاسة الحاضر شاخصةً بأبصارها إلى الماضي الغابر. علاوةً على ذلك، منح الأمير المرأة حقوقها التي كانت ضرباً من الخيال في عقودٍ طويلة، فمحمد بن سلمان هو من منح المرأة حقوقها وليس أحداً آخر، وهذا لا ينبع إلا من فيلسوفٍ عظيم، وليس من مجرد سياسي ناجح، فهذه تتدفّق من العقل المفكّر الذي يحمل رؤية وجودية، وليست من العقل العادي، حتى لو كان ناجحاً، فليس كل عقلٍ يستطيع أن يفكّر بمنزلة الفلاسفة والمفكّرين، فهؤلاء لا يخرج منهم إلا شخصٌ واحدٌ كل مئة عام، والأمير هو كذلك، لأن لديه فكراً وفلسفة بأن لا يجوز أن يكون نصف المجتمع مهمَّشاً، فهو بعقل الحصيف الفيلسوف يعلم أن هذا يُهين إنسانية الإنسان، لذا قضى عليه مباشرة ودون تردّد.
التحركات الخارجية للسعودية تمنحك دليلاً على أنك أمام فيلسوف يسعى لحل المشكلات من جذورها، ولا يقبل بالرتوش ولا بعمليات التجميل، فإمّا أن يقضي على المشكلة من جذورها، وإلا فإنه لا يعتبر أنه قام بشيء! فلقد سعى حثيثاً لينتزع اعتراف 80% من دول الأمم المتحدة بدولة فلسطين، بعد أن عجز عنها ملوك وشيوخ وأمراء وسلاطين ورؤساء 21 دولة عربية على مدى خمسة وسبعين عاماً، بل حتى عجز عنها رؤساء أعظم دولة في تاريخ البشرية، رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين توالوا على رئاسة أمريكا خلال سبعة عقودٍ ونصف، بينما الأمير فعلها بسنتين ونصف، وهذا يستحيل أن يخرج من سياسي ناجح، فمن ذُكروا أعلاه كانوا ناجحين؛ فهذا لا يخرج إلا من مفكّر يحكم بدهاء السياسي، وليس العكس. أيضاً مَنْح الجنسية السعودية، التي كانت الأصعب على مستوى العالم، إلى علماء فاز بعضهم بجائزة نوبل مثل عمر ياغي وكذلك جون باغانو، إيماناً منه بحسّه الفلسفي الحاكم بأن الأوطان العظيمة تُبنى بالعقول لا بشيءٍ آخر!
في كل خطوة، كان الأمير محمد بن سلمان يثبت أن الفكر هو الأصل، وأن القرار لا يصنع الوعي، بل الوعي هو من يصنع القرار، وهذا برهان ساطع على أن محمد بن سلمان وُلِدَ فيلسوفاً قبل أن يكون حاكماً! لذلك، فإن إنجازه الحقيقي لا يُقاس فقط بما تحقق أو بما سيتحقق من مشاريع اقتصادية، بل من وجهة نظري بما تحوّل في الوعي الجمعي للسعوديين أنفسهم؛ إذ جعل الشعب شركاء في صناعة المستقبل لا مجرّد متفرجين على المدرّجات! كان الناس قبل محمد بن سلمان يولدون ليموتوا، وما بين ذلك ذهول غير مفهوم، لكن أثناء وجود محمد بن سلمان أصبح الناس يولدون ليعيشوا، وما بين ذلك متعة وسعادة وحبور.
من وجهة نظري، ربما يختلف الناس في السياسة، لكنهم يتفقون على حقيقة واحدة: أن في قلب السعودية اليوم رجلاً اسمه محمد بن سلمان لا يكتفي أن يحكم، بل يُفكر. فمن وجهة نظري، أنت أمام أحداث وإنجازات لا تستطيع أن تتخطاها ولا أن تتجاهلها. لذا يحق لنا -من وجهة نظري- أن نتساءل: هل محمد بن سلمان سياسي يفكّر، أم مفكّر يَحكم؟