ترجمة المدى
أكد الزعيمان السعودي والفرنسي ضرورة الانسحاب الكامل لإسرائيل من قطاع غزة وتحقيق حل الدولتين، وذلك خلال اتصال هاتفي جرى يوم الأحد بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث بحث الطرفان تطورات الأوضاع في غزة والجهود المبذولة لإنهاء الحرب، إلى جانب تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وشددا على «الضرورة الفورية لتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني، مع اتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق سلام عادل وشامل قائم على حل الدولتين».
ويظل التساؤل بعد وقف إطلاق النار في غزة يتكرر: هل سيكون إقرار الدولة الفلسطينية هو الخطوة التالية لإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط؟
بعد عامين من الصراع، دخل وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر وفق خطة اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما أدى إلى إطلاق سراح عدد من الرهائن والمعتقلين. وبينما ينقسم قادة العالم حول الحل الطويل الأمد — إذ يدعو بعضهم إلى حل الدولتين في حين يظل آخرون غير ملتزمين به — تبرز عقبات عملية عديدة أمام إقامة دولة فلسطينية، تشمل الانقسام الداخلي والتساؤلات حول من سيتولى حكم غزة.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، وخلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، اعترفت عشر دول إضافية بدولة فلسطين، ليرتفع بذلك عدد الدول التي تعترف بها إلى 157 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، وفقًا لبيان وزارة الخارجية الفلسطينية.
لكنّ التباين بين ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال «قمة السلام» التي جمعتهما يبيّن أن مسألة الدولة الفلسطينية القديمة الجديدة لن تُهمَل.
قال السيسي إن صيغة الدولتين هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام، بينما اكتفى ترامب بتصريح مبهم: «الكثير من الناس يحبون حل الدولة الواحدة، وآخرون يفضلون حل الدولتين، لذا سنرى».
لا شك في أن هناك عقبات عملية أمام قيام دولة فلسطينية فعّالة. فمنذ عام 2007، لا توجد إدارة موحدة للأراضي الفلسطينية.
وتنصّ خطة ترامب المؤلفة من 20 نقطة لإنهاء الصراع في غزة، وكذلك «إعلان نيويورك» الذي روجت له فرنسا والسعودية في وقت سابق، على ضرورة أن تتخلى حركة حماس عن أي دور مستقبلي في حكم القطاع.
ومع ذلك، فإن ما سيحدث بعد ذلك — ومتى — لا يزال غير واضح. فقد تراجعت حماس بسرعة عن أي التزام مفترض بإنهاء نفوذها السياسي أو بنزع سلاحها. وحتى إن تم حل تلك المسألة، فإن الوثيقتين تتحدثان عن مرحلة انتقالية تسبق أي حكم فلسطيني في غزة.
الخطة الأميركية مشروطة بدرجة كبيرة بمدى استعداد السلطة الفلسطينية لتولي زمام الأمور هناك، بينما تعترض إسرائيل على أي دور لها في القطاع. في المقابل، يتمسّك الحلفاء العرب والمسلمون والأوروبيون للولايات المتحدة بإطار الحل النهائي الذي كان محل إجماع لأكثر من عقدين، منذ أن أعلن الرئيس جورج بوش الابن عام 2002 دعمه المشروط لإقامة دولة فلسطينية.
من جانب آخر، وبحسب وثيقة داخلية تتألف من أربع صفحات، تعتزم خدمة العمل الخارجي الأوروبية ممارسة ضغوط دبلوماسية على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بطريقة تحافظ على دور السلطة الفلسطينية وتعيد تأكيد التزام أوروبا بحل الدولتين.
الوثيقة، التي أُعدّت قبل اجتماعات مرتقبة لوزراء الخارجية وقادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، تؤكد أن بروكسل ترى في نفسها ركيزة أساسية في جهود بناء السلام، خصوصًا مع تزايد عدد الدول الأوروبية التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين في الأشهر الماضية.
وتدعو الخطة إلى «تعزيز الرواية الإيجابية حول حل الدولتين، مع إبراز الدور الأوروبي في دفعها إلى الأمام»، إلى جانب «تفعيل القنوات الدبلوماسية مع واشنطن لضمان تنفيذ الاتفاق بما لا يضعف السلطة الفلسطينية».
في المقابل، تعمل الدائرة الدبلوماسية الأوروبية على حشد دعم العواصم الأوروبية للضغط في اتجاه رفع القيود الاقتصادية والمالية المفروضة على المؤسسات الفلسطينية، وممارسة مزيد من الضغط على المستوطنين الإسرائيليين الذين يواصلون ضم الأراضي في الضفة الغربية.
ورغم تعبير دول أوروبية عدة عن إحباطها من بطء بروكسل في التحرك، ترى دوائر دبلوماسية أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الاتحاد الأوروبي لاستعادة دوره المحوري كوسيط متوازن قادر على حماية حل الدولتين ودفع عملية السلام إلى مسارها السياسي بعد عامين من الحرب والدمار في غزة.
وفي إطار جهد قاده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعادت هذه الدول التأكيد على دعمها لحل الدولتين، وشددت على ضرورة اتخاذ إجراءات «في مواجهة الفظائع المتزايدة في الشرق الأوسط». وقد أكدت تقارير حديثة للأمم المتحدة أن غزة تتعرض لتجويع متعمّد، وأن المساعدات تُمنع من الدخول، وأن أفعال إسرائيل في المنطقة تشكّل إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. في هذا السياق، انضمت دول قوية من مجموعة السبع للمرة الأولى إلى غالبية دول العالم في الاعتراف بفلسطين كدولة.
إلا أن هذا الاعتراف جاء مصحوبًا بتحفّظات، إذ توضح بيانات عدة من هذه الدول الغربية الشروط التي تُبدي استعدادها في ظلها لتقبّل حق الفلسطينيين في السيادة. فقد اشترط رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في بيانه أن تقوم السلطة الفلسطينية بـ«نزع سلاح الدولة الفلسطينية» إن تم تأسيسها. وبموجب القانون الدولي، تملك الدول حق الدفاع عن النفس، وهو الحق الذي استند إليه السياسيون الإسرائيليون مرارًا لتبرير أفعالهم في غزة. ومن البديهي أن دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية يجب أن تتمتع بهذا الحق أيضًا. إن اشتراط دعم هذه الدول على تخلّي الفلسطينيين عن هذا الحق الأساسي يذكّر بوضوح بأنها تبقى حليفة لإسرائيل، وأن خطوة الاعتراف هذه تخدم أهدافها السياسية الخاصة.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن إقرار إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع اشتراط حظر مشاركة فصائل المقاومة في الانتخابات، هو مسار آمن نسبيًا. فهذه الخطوة كافية لتعزيز صورة الدول المشاركة دون أن تتطلب إجراءات عملية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف – رغم أهميته الرمزية – لا يغيّر الوضع الرسمي لفلسطين في الأمم المتحدة، حيث لا تزال تُعتبر دولة مراقبة غير عضو.
ويرى المحلل أمجد العراقي، من مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، أن زيادة الشرعية قد تشجّع القادة العالميين على اتخاذ «خطوات أكثر واقعية»، وربما تمارس ضغطًا كافيًا على الولايات المتحدة لدفعها نحو الاعتراف أيضًا، مما قد يمهد الطريق نحو عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحدة.
عن صحف ووكالات عالمية