هذا القرار لم يكن مجرد ردة فعل، بل تأكيد على أن الأنظمة ليست حبرًا على ورق، بل أدوات تُفعّل عندما يتجاوز البعض الخطوط الحمراء. الفعاليات العامة، أيًا كان نوعها، من مباريات أو مهرجانات أو مناسبات اجتماعية، ليست ساحة للخصومة ولا ساحة لبث النعرات، بل هي مساحات للتواصل والتقارب. عندما يتحول بعضها إلى مجال لبث الكراهية، يصبح التدخل الحازم واجبًا. ومن المهم هنا التأكيد على أن مثل هذه الإجراءات لا تستهدف أشخاصًا بعينهم، بل تهدف إلى حماية الفضاء العام من الانزلاق إلى مساحات الفوضى، وضمان أن تبقى المناسبات الكبرى رمزًا للفرح لا منصة للانقسام.
الفضاء الرقمي اليوم أقوى من أي وسيلة إعلامية تقليدية، وكل حساب شخصي قادر على نشر رسالة تصل إلى آلاف وربما ملايين. لهذا فإن المسؤولية باتت فردية بقدر ما هي جماعية. لا يهم إن كان المحتوى من إنتاج شخص أو إعادة نشره، فالنتيجة واحدة: المشاركة في خطاب مسيء. والأنظمة واضحة في هذا الشأن ولا تترك مجالًا للتأويل أو التبرير.
الهيئة عندما تتخذ إجراءً بحق المخالفين فهي لا تعاقب الرأي، بل تضبط السلوك غير المسؤول. حرية التعبير حق، لكنها لا تعني الإساءة أو التحريض أو تجاوز حدود الاحترام. ومن لا يميز بين الحرية والفوضى فعليه أن يعيد التفكير في معنى المسؤولية.
المناسبات العامة ليست ملكًا لفئة واحدة، بل هي مساحة تمثل الجميع وتعكس صورة المجتمع أمام الداخل والخارج. وإذا تحولت هذه المساحة إلى ميدان للانقسام، فإن القيمة الحقيقية للحدث تضيع. لهذا فإن الحزم في مواجهة الخطاب الطائفي ليس تشددًا، بل ضرورة لحماية المجتمع من الانقسام، وصورة الوطن من التشويه، والفضاء العام من الانحدار.
كما أن المجتمع نفسه شريك في هذه المسؤولية. الجهات الرسمية قد تتدخل لتطبيق النظام، لكن وعي الناس هو خط الدفاع الأول. كل تغريدة، كل تعليق، كل كلمة لها أثر. إما أن تبني أو تهدم. والمجتمع الذي يختار الوعي يعزز احترامه لنفسه قبل أن يحمي صورته أمام الآخرين.
ما فعلته الهيئة العامة لتنظيم الإعلام خطوة في الاتجاه الصحيح. ترك هذه الممارسات دون ردع يعني القبول بتحويل كل مناسبة إلى ساحة للجدل والخصومة، وهذا ما لا يمكن السماح به. الفعاليات وفضاءات التعبير خُلقت لتقريب الناس، لا لتفريقهم. ومن يصر على أن يحولها إلى منبر للكراهية، فإن النظام سيضعه عند حده.