ترجمة / المدى
قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الاثنين، إن العاملين في المجال الإنساني في السودان يحذرون من أن العنف المستمر في أنحاء البلاد يعرّض المدنيين لخطر جسيم، ويدفع المزيد من الناس إلى الفرار من منازلهم.
وأوضح ستيفان دوجاريك، في إفادةٍ صحفيةٍ بنيويورك، أنه في الأيام الأخيرة تصاعد القتال في ولايتي شمال دارفور وغرب دارفور، حيث تم الإبلاغ عن هجمات بطائراتٍ مسيّرةٍ واشتباكاتٍ في عدة مناطق.
وأضاف: “يوم الأحد، أسفر هجوم بطائرةٍ مسيّرةٍ على السوق الرئيسي في سرف عمرة بشمال دارفور عن مقتل سبعة مدنيين على الأقل، كما تسببت الضربات في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، بسقوط ضحايا أيضاً.”
وأشار دوجاريك إلى أن المنظمة الدولية للهجرة (IOM) تقدّر أن أكثر من 3,000 شخص نزحوا حديثاً في شمال دارفور خلال الأسبوع الماضي فقط، بينهم 1,500 من الفاشر، عاصمة الولاية المحاصرة، و1,500 من قرية أبو قمرة، عقب تجدّد القتال هناك.
وأضاف أن التوترات تتصاعد أيضاً في إقليم كردفان، حيث نزح نحو 1,000 شخص من بلدة لقاوة بولاية غرب كردفان يوم السبت، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
وتابع قائلاً: “في ولاية جنوب كردفان، ما تزال بلدة الدلنج وعاصمة الولاية كادوقلي تحت الحصار، مع انقطاع طرق الإمداد وتفاقم نقص السلع الأساسية يوماً بعد يوم.”
كما ذكر أن في ولاية النيل الأزرق، أدت اشتباكات بين جماعاتٍ مسلحةٍ إلى نزوح 600 شخص من بلدة بوت في محلية التضامن الأسبوع الماضي.
وأكد دوجاريك أن المدنيين في مختلف أنحاء السودان ما زالوا يتحملون العبء الأكبر من هذا العنف المستمر بلا هوادة، مضيفاً: “رغم التحديات العديدة، يواصل العاملون الإنسانيون تقديم المساعدات الحيوية للنازحين في المناطق التي يمكننا وشركاؤنا الوصول إليها بأمان.”
وختم بقوله: “نكرر دعوتنا إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المحتاجين.”
وفي وقتٍ سابقٍ من يوم الاثنين، صرّح الجيش السوداني في بيانٍ بأن قواته صدّت هجوماً لقوات الدعم السريع على الفاشر من ثلاثة محاور، مُلحقاً بها “خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.”
وقالت الهيئة العامة لتنسيق شؤون النازحين واللاجئين في دارفور، وهي مجموعةٌ مدنيةٌ محلية، يوم الأحد، إن مئات العائلات الفارّة من الفاشر وصلت إلى تاويلا وسط “ظروفٍ إنسانيةٍ بالغة الصعوبة.”
ودعت المجموعة المنظمات الإنسانية الدولية إلى “التصرف بسرعة لتقديم المساعدات والدعم للنازحين الذين يفتقدون أبسط الاحتياجات الأساسية.”
رئيسة منظمة “كوبي للتعاون الدولي”، كيارا زاكوني، قالت إن السودان يعيش منذ أكثر من عامين ونصف العام صراعاً خطِراً للغاية أدى إلى واحدةٍ من أفدح الأزمات الإنسانية في العالم، كما أقرت به الأمم المتحدة.
وأوضحت أن الوضع الميداني يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، حيث نزح حتى الآن 14 مليون سوداني بحثاً عن مأوى آمن، بينهم 10 ملايين داخلياً، في حين لجأ حوالي 4 ملايين إلى الدول المجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان، ويعيش أكثر من 24 مليون إنسانٍ أزمةً غذائيةً بالغة الخطورة.
والفئات الأكثر تضرراً، وفقاً لإفادة زاكوني، هم النساء والأطفال، حيث يواجهون صعوباتٍ في الحصول على الغذاء والرعاية الطبية، وغالباً ما يكونون أول ضحايا الأمراض المنتشرة.
من جانبٍ آخر، هدد قائد قوات الدعم السريع، محمد دقلو المعروف باسم حميدتي، باستهداف الطائرات التي تعمل على نقل المساعدات بالإسقاط الجوي على الفاشر، التي تحاصرها قواته منذ 18 شهراً، مسبِّباً حالةَ مجاعةٍ للسكان. حيث قامت طائراتٌ تابعةٌ للجيش السوداني (أو متعاقدةٌ معه) في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، بإسقاط إمداداتٍ في الفاشر.
نتائج محتملة على المساعدات الإنسانية
أحد العواقب المحتملة لتهديدات حميدتي هو أن يتجنب العاملون في المجال الإنساني عمليات الإسقاط الجوي على الفاشر، عاصمة شمال دارفور. مؤخراً، ناشد العديد من السودانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي توفير مساعداتٍ جويّةٍ للمدنيين الجائعين في المدينة المحاصرة. تصريحات حميدتي تزيد من احتمال استهداف قوات الدعم السريع للطائرات بشكلٍ عشوائي فوق سماء المدينة.
كما يمكن أن تعيق تهديدات حميدتي استعادة قطاع الطيران التجاري في المناطق الخاضعة للجيش في وسط السودان. رغم انسحاب قوات الدعم السريع من وسط السودان، لا يزال الاقتصاد يعاني من عامين من القتال المدمّر، ولم يعد العديد من الناس إلى المدن التي شهدت المعارك، بما في ذلك الخرطوم وأمدرمان ووادي مدني والعديد من المدن والقرى الأصغر.
جاء تحذير حميدتي، الذي يترأس حكومةً موازيةً معلنة، بعد سلسلة غاراتٍ جويةٍ للجيش السوداني على مناطق يسيطر عليها الدعم السريع في دارفور وكردفان، والتي وصفها بأنها أعمال “تطهيرٍ عرقيٍّ وإبادةٍ جماعية.”
الهجوم على مطار الخرطوم
قبل ساعاتٍ من خطاب حميدتي، استهدفت طائرات الدعم السريع مطار الخرطوم الدولي، مستهدفةً ثلاثة مواقع خارج المنطقة الرئيسية للمبنى. وقد تم تحديد مواقع الضربات من قبل مراقب الحرب في السودان عند محيط المطار الجنوبي الغربي، بعد أقل من 24 ساعة من إعلان السلطات السودانية إعادة فتح المطار.
كان الهدف من استهداف المطار عشية إعادة فتحه منع استعادة الحياة الطبيعية في الخرطوم، وتقويض جهود الحكومة في إظهار السيطرة والاستقرار.
ويدخل قصف مطار الخرطوم الدولي يومه الثاني على التوالي، بعد إعلان شركة مطارات السودان إعادة تشغيل المطار عقب إغلاقه بسبب اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023.
وتصاعدت حرب الطائرات المسيّرة بين الجانبين، إذ شنّ الجيش عدداً من الغارات مستهدفاً معاقل “الدعم السريع” في إقليم دارفور غربي السودان، فيما شنّت الأخيرة هجماتٍ طاولت الخرطوم ومدناً أخرى مثل الأبيض في ولاية شمال كردفان، وكوستي في ولاية النيل الأبيض. ويبدو أن حرب المسيّرات في السودان هدفها فرض معادلاتٍ على الأرض، لا سيما وسط البلاد وغربها.
وكانت أبرز هجمات المسيّرات في السودان، والتي نفذتها “الدعم” أخيراً، يوم التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، واستهدفت عدداً من المواقع المدنية والعسكرية في مدن العاصمة الخرطوم الثلاث: الخرطوم، وبحري، وأم درمان، بعد هجماتٍ مماثلةٍ للجيش في دارفور. كما نفذت “الدعم السريع” هجوماً آخر بالطائرات الانتحارية يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، طاول عدداً من المواقع في الخرطوم.
وقال تحالف السودان التأسيسي، الذي تقوده “الدعم”، حينها، وهو مكوَّن من كياناتٍ سياسيةٍ وحركاتٍ مسلحة، إن الهجمات استهدفت قواعد تدريب لما وصفها بـ”المجموعات الإرهابية” في معسكري خالد بن الوليد وجبل سركاب، كما دمّرت مخازن للأسلحة والذخائر في كلٍّ من مناطق كرري بأم درمان والكدرو بمدينة الخرطوم بحري.
وكان الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يخوضان حرباً منذ أبريل/نيسان 2023، أسفرت عن مقتل أكثر من 20,000 شخصٍ ونزوح 14 مليوناً، وفقاً للأمم المتحدة والسلطات المحلية. ومع ذلك، تشير أبحاث جامعاتٍ أمريكيةٍ إلى أن حصيلة القتلى قد تصل إلى نحو 130,000 شخص.
عن وكالات عالمية