كثير من نجوم البرازيل كانوا شواهد حيّة على هذه الحقيقة. أسماء لمعت بسرعة ثم خبت لأن النفس لم تحتمل بريق الأضواء. موهبة لا يوازيها وعي، وشهرة لم تُبنَ على أرضية نفسية متينة. لذلك، حين نتحدث عن اللاعب السعودي الشاب الذي يخطو نحو العالمية، يجب أن ندرك أن الموهبة وحدها لم تعد كافية. من دون الإرشاد النفسي، تتحول الموهبة إلى عبء، والنجومية إلى اختبارٍ قاسٍ للنفس.
الإرشاد النفسي للاعب الشاب ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية. هو الذي يصنع داخله القوة الهادئة التي توازن بين الطموح والتواضع، بين الشغف والاتزان. اللاعب الذي يتلقى دعمًا نفسيًا ممنهجًا يصبح أكثر وعيًا بذاته، أكثر قدرة على إدارة التوتر، وأكثر استعدادًا لمواجهة صخب الجماهير، وموجات النقد، وتقلبات الأداء.
اللاعب الشاب حين يلمع فجأة في المشهد الإعلامي، يدخل عالمًا لا يرحم: الشهرة، العقود، المقارنات، التوقعات، التعليقات، والضغط اليومي للبقاء في القمة. هنا يظهر دور الأخصائي النفسي الرياضي الذي يهيئه لتقبّل الصعود والهبوط، ويمنحه أدوات التعامل مع الأضواء دون أن تحرقه. هو من يعلمه أن النجومية ليست حالة ثابتة، بل مسؤولية مستمرة تتطلب نضجًا عقليًا وإدراكًا ذاتيًا.
بناء رؤية مستقبلية داخل اللاعب أحد أهم أدوار الإرشاد النفسي. لأن اللاعب الذي يعرف إلى أين يتجه، لا يضيع في الطريق. الدعم النفسي ليس فقط علاجًا حين تتدهور المستويات، بل هو وقاية مبكرة، وتحصين ذهني ضد الانكسار. والوقاية الذهنية لا تقل أهمية عن الوقاية البدنية. فكما نحتاج إلى مدرب لياقة بدنية، نحتاج إلى مدرب عقل ووجدان.
نحن نطمح اليوم إلى كأس العالم الذي سنستضيفه في وطننا، ولا يمكن أن نصل إلى هذه القمة بلا إعداد نفسي موازٍ للإعداد المهاري. الرؤية الوطنية لكرة القدم لا تكتمل إلا حين نُدرِك أن اللاعب هو إنسان قبل أن يكون رقمًا في الملعب. وكل إنسان معرض للقلق، للاكتئاب، للضغوط، وللحيرة في مواجهة الجماهير والإعلام والعقود المغرية.
الجيل الجديد من اللاعبين السعوديين يحمل طاقة هائلة، لكنه يحتاج من يوجّه هذه الطاقة بذكاء نفسي وعمق إنساني. ومن هنا، أقترح أن تُخصص الأندية والاتحاد مستشارين نفسيين دائمين للاعبين الصاعدين الذين دخلوا عالم النجومية المبكرة. وجود المستشار النفسي ليس تدخلًا في الحياة الخاصة، بل حماية لمستقبل اللاعب من الانهيار النفسي، وضمان لاستمرار عطائه في الميدان.
اللاعب الذي يُدرّب عقله كما يُدرّب جسده، هو من يظل في القمة. والمنتخب الذي يملك لاعبين متوازنين نفسيًا، هو الذي يرفع الكأس لا بالمهارة فقط، بل بالعقلية التي لا تهزم. وقس على ذلك جميع الألعاب في الرياضة بشكل عام.