يدافع المثقفون العرب، والعديد من الفلاسفة عن الانفتاح تجاه كل النزعات الإنسانية، حديثةً كانت أم قديمة.. فالماضي العقلاني وأشعة النزعة الإنسانية الغربية ينادى بهما الآن إضافة إلى الماركسية. هؤلاء الفلاسفة والأيديولوجيون المعاصرون كمحمد عمارة وحسين مروّة الذي اغتيل في بيروت منذ عدة سنوات، وعابد الجابري أحد المهميّن حالياً، قد أصبحوا مشهورين في العالم العربي كشهرة نجوم الغناء، وبخاصة أن شعبيتهم أصبحت أهم من شعبية زعماء الدول الذين يحاربونهم. وربما يكون المغربي عابد الجابري من بين أكثر الفلاسفة قراءة من قبل الشباب في العالم العربي، هذا إذا اعتمد حكمي على رد فعل الطلاب أثناء المحاضرات والمناقشات. هو مؤلف (نحن والتراث) حيث يعترف بالتراث اليوناني على أنه الإرث الذي لم يكتف المسلمون بنقله إلى الغرب فحسب، وإنما ثمّروه، وحسنوه، وأغنوه. أما عمله العظيم (تكوين العقل العربي) فيعيد إلى الذهن التباين بين العلاقتين (مثقفون – عقل). ويوفق بين ملايين الشباب وحداثتهم وتطلعاتهم. فيتنفس منه الشباب إسلاماً يشكل فيه الانفتاح والرأي الفردي جزءاً متكاملاً من التقليد.
هذا التيار الانفتاحي يتجاهله الغرب، فالجابري والآخرون لم يترجم لهم، ولم تتابعهم محطات التلفزة الغربية. بينما نجد على العكس من ذلك أن الإسلاميين يحتلون المقام الأول على الشاشات الأوروبية؛ وذلك لأنهم أكثر مطابقة للقوالب الجاهزة لـ(الإسلام المتزمت) إضافة إلى بلادتهم.
هل أمثال عابد الجابري من الفلاسفة لا يهمون أجهزة الإعلام لأنهم لا يوصلون ذلك الشيء المجلوب والسهل الذي تبحث عنه التلفزات الغربية من أجل بناء ذلك الإسلام المرعب الذي يشحن الرفض؟ لا يمكن أن نمنع أنفسنا من ملاحظة أن قادة الحركات المتزمتة غالباً ما يُدعون للتحدث إلى التلفزات الأوروبية، ونادراً ما يستفيد فلاسفتنا ومفكرونا من ميزات كهذه.
فكل الدينامية التقدمية مجهولة لدى وسائل الإعلام الغربية، عاكسة بذلك على المستوى العالمي العمليات الإعلامية المحلية.
محاربة العقل باعتباره ظاهرة أجنبية بعد رحيل المستعمرين، أصبحت في العقود الأخيرة هي برنامج الخطابات التي تنادي بالمقدس وعالم الثمانينات الإسلامي الذي يحكمه ويتسيده من يحاربون العقل.
1993*
* باحثة وكاتبة أكاديمية مغربية «1940 – 2015».
Source link