 
                 
المشهد يتكرر يوميا في آلاف العيادات حول العالم. في زيارة قصيرة واحدة يتوقع من طبيب الأسرة أن يكون مستمعا ومحللا ومعالجا ومثقفا صحيا في آنٍ واحد. لكن الوقت المحدود يفرض واقعه الصعب. الدراسات العالمية أظهرت تفاوتا كبيرا في زمن الاستشارة بين الدول، ففي بعض الدول لا تتجاوز الاستشارة 48 ثانية، كما هو الحال في بنغلاديش، بينما تصل في السويد إلى 22.5 دقيقة. وفي المملكة المتحدة ظل نموذج الـ«10 دقائق» هو السائد لعقود، قبل أن تبدأ الجهات الصحية بالدفع نحو 15 دقيقة كحد أدنى للمشكلات المزمنة والمعقدة. وفي الولايات المتحدة يصل المتوسط إلى نحو 18 دقيقة، بينما تشير المراجعات الوطنية في السعودية إلى أن الاستشارة غالبا لا تتجاوز 5 – 10 دقائق.
التحدي الحقيقي ليس زمن الاستشارة، بل في كثافة ما يجب على الطبيب إنجازه في هذا الزمن. ففي العقود الأخيرة تضاعف عدد المشكلات التي يطرحها المريض في زيارة واحدة، مع ارتفاع الأمراض المزمنة، وتداخل الجوانب النفسية والاجتماعية. وتشير التحليلات الحديثة في الولايات المتحدة إلى أن محتوى الاستشارة ينمو أسرع من زمنها، ما يجعل الطبيب مضطرا إلى ضغط الفحص والتوثيق والنقاش في إطار زمني محدود. ويضاف إلى ذلك عبء إدخال البيانات الإلكترونية، الذي قد يستغرق في بعض الحالات أكثر من 30 دقيقة إضافية لكل مريض للتوثيق في الأغلب، ويتطلب وقتا إضافيا خارج ساعات الدوام.
ينعكس هذا الضغط على شكل قوائم انتظار طويلة، واستشارات قصيرة، وشعور متبادل بين المريض والطبيب بأن كليهما لم يأخذ حقه. الطبيب يشعر بأنه يسابق الوقت، والمريض يشعر بأنه لم يُسمع بما يكفي. وتُظهر البيانات أن دولا كثيرة واجهت هذا التحدي عبر إستراتيجيات واضحة، أهمها تعزيز «الاستمرارية» بين المريض والطبيب نفسه، الأمر الذي يقلل الحاجة لزيارات متكررة. ففي إحدى الدراسات، أدت هذه الاستمرارية إلى تقليص عدد الزيارات اللاحقة بنحو 5 % دون الحاجة إلى تمديد زمن الموعد نفسه.
كما لجأت دول أخرى إلى إعادة توزيع الأدوار داخل الفريق الصحي، بحيث يتولى الممرضون والمثقفون الصحيون والصيادلة المهام الوقائية والتعليمية، ويُخصص وقت الطبيب للتشخيص واتخاذ القرار. هذا الأسلوب لم يطل زمن الاستشارة فقط، بل جعلها أكثر تركيز أعلى ما لا يمكن لغير الطبيب القيام به. وفي المملكة المتحدة، أثبتت تجربة توسيع وقت الاستشارة إلى 15 دقيقة للحالات المعقدة أنها تقلل من عدد الزيارات المستقبلية، وتحسن رضا المريض والطبيب معا.
غير أن إطالة وقت الموعد وحدها لا تكفي ما لم يعد تصميم النظام نفسه. نماذج المحاكاة أظهرت أن مجرد رفع وقت الموعد دون تحسين طريقة الفرز والجداول قد يؤدي إلى زيادة وقت الانتظار بشكل كبير. الحل الأمثل هو مزيج من خطوات مترابطة: فرز مسبق للزيارة، وتحديد نوع الموعد، وجداول مرنة، واستمرارية مع الطبيب نفسه، ودعم رقمي يقلل العبء الكتابي.
15 دقيقة ليست ترفاً، بل هي في كثير من الدول الحد الأدنى لرعاية آمنة وإنسانية للحالات المزمنة والمعقدة. رفع الزمن المخصص للاستشارة لا يعني تقليل عدد المرضى فقط، بل يعني تحسين جودة اللقاء الواحد، وتقليل الحاجة إلى زيارات متكررة. وعندما يُعاد توزيع المهام داخل الفريق، وتُستخدم التقنية بحكمة، يصبح هذا التوازن ممكنا.
القصة التي بدأ بها المقال مرآة لواقع يعانيه كثير من المرضى والأطباء في عيادات طب الأسرة. ومن أجل أن يكون اللقاء بينهما لقاءً حقيقيا، لا سباقا مع الزمن، علينا أن نعيد النظر في الطريقة التي ندير بها وقت الطبيب، وأن نراجع مؤشرات الأداء التي تقاس بها جودة الرعاية.