 
                 
لكن ومع الأسف، لم يكن هذا التأثير دائمًا في الاتجاه الإيجابي. بل شهدنا، ومنذ سنوات طويلة، ممارسات غير منضبطة من بعض هؤلاء المؤثرين، تمثلت في الترويج لأفكار وممارسات سطحية أو ضارة، والمبالغة في استعراض أنماط حياة بعيدة عن الواقع، والإساءة لقيم المجتمع، بل وحتى ارتكاب مخالفات قانونية وأخلاقية تحت غطاء «حرية التعبير» أو «المحتوى الترفيهي». و تسبب هذا في حالة من الفوضى الإعلامية الرقمية التي أثارت القلق لدى شريحة واسعة من المجتمع، ودفعت الكثيرين للمطالبة بضبط هذا المشهد بضوابط واضحة تضمن احترام النظام والقيم.
نبعت تلك المطالب من حاجة ملحة لحماية المجتمع، وخاصة فئاته الأصغر سنًا، من التأثيرات السلبية لمحتوى غير مسؤول. فبعض المؤثرين لا يدركون أو يتجاهلون حقيقة أن ما ينشرونه يصل إلى جمهور متنوع، بينهم أطفال ومراهقون وشباب في طور التكوين، يتأثرون بما يشاهدونه ويأخذونه أحيانًا كقدوة ونموذج للحياة.
واليوم، نحمد الله على الخطوة التي طال انتظارها، والتي تمثلت في تدخل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام لضبط هذه الفوضى الإعلامية ووضع حد لتمادي بعض المؤثرين. فوجود جهة تنظيمية متخصصة تعني أن هناك قوانين واضحة، ولوائح ملزمة، ومساءلة حقيقية لمن يتجاوز حدود اللياقة أو يسيء استخدام نفوذه الرقمي.
تدخل الهيئة ليس قيدًا على الحريات كما قد يروج البعض، بل هو تأكيد على أن الحريات لا تعني الفوضى، وأن التأثير الإعلامي لا بد أن يكون مقرونًا بالمسؤولية والالتزام. وهو أيضًا خطوة تحمي حقوق المتابعين أنفسهم، وتضمن تقديم محتوى يليق بمستوى الوعي المجتمعي ويحترم ثقافته.
كما أن هذا التنظيم يفتح الباب أمام تصنيف واضح للمؤثرين، ويمنح الشرعية فقط لمن يلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية، مما يعزز من جودة المحتوى الرقمي ويعيد ثقة المجتمع بهذه المنصات. بل وقد يسهم على المدى البعيد في تحفيز المؤثرين الحقيقيين، ممن يملكون رسالة هادفة، على الاستمرار والإبداع في إطار من التنظيم والوضوح.
نثمّن جهود هيئة تنظيم الإعلام، ونعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح نحو فضاء رقمي صحي ومنضبط. ونأمل أن تستمر هذه الجهود بالتوازي مع حملات توعية للمجتمع بأهمية النقد الواعي وعدم الانسياق الأعمى خلف «الترند» أو الشهرة الزائفة. فالمؤثر الحقيقي هو من يحترم جمهوره، ويستثمر تأثيره فيما ينفع الناس، لا فيما يثير الجدل أو يحقق ربحًا سريعًا على حساب القيم والمبادئ.