وبرز هذا التحول في قرارات كبرى الشركات الصينية التي اختارت الرياض مركزًا لنشاطها الإقليمي، مثل شركة كيتا التابعة لمجموعة ميتوان، التي اختارت السوق السعودية لتكون أول وجهة دولية لها خارج الصين، وهو قرار يعكس حجم الثقة في البيئة الاستثمارية السعودية، وفي ديناميكية السوق المحلية التي أصبحت نقطة انطلاق نحو أسواق الخليج والمنطقة بأكملها.
كذلك، أعلنت «علي بابا كلاود» توسعا إستراتيجيا نحو المملكة، لتكون الرياض محورًا رئيسيًا لحلولها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما يؤكد أن التحول الرقمي في المملكة لم يعد تجربة محلية، بل أصبح عامل جذب حقيقيا للشركات الصينية التي ترى في الرياض مستقبل الاستثمار في الشرق الأوسط.
هذا الزخم الاقتصادي لم يقتصر على مجالات الاستثمار فحسب، بل امتد إلى الفضاء الإعلامي أيضًا؛ فكما اختارت الشركات التقنية والاقتصادية التوجه إلى الرياض، اختارت كذلك المؤسسات الإعلامية الكبرى أن تجعل منها نقطة ارتكاز لحضورها في المنطقة. ومثال ذلك ما قامت به صحيفة الشعب الصينية، أعرق وأكبر الصحف في الصين، حين افتتحت أخيرًا مركزًا إقليميًا لها بالرياض، في خطوة تحمل دلالات عميقة على تطور العلاقات السعودية – الصينية، وامتدادها إلى الإعلام والثقافة. إن افتتاح هذا المركز لا يمثل مجرد توسع مؤسسي، بل يعبر عن تحول نوعي في موازين القوة والتأثير، حيث أصبح الإعلام الصيني يرى في الرياض بوابة أساسية إلى العالم العربي، تماما كما ترى الشركات الصينية في الرياض بوابة إلى المنطقة بأسرها.
هذه الخطوة تأتي في انسجام تام مع رؤية السعودية 2030، ومع مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تسعى إلى بناء جسور تفاهم وتعاون عبر الثقافة والإعلام والاقتصاد. وبين الرؤيتين، تتلاقى الرياض وبكين على أرضية مشتركة عنوانها صناعة المستقبل المشترك في الاقتصاد والفكر والإعلام. وبمناسبة قدوم صحيفة الشعب الصينية للرياض، أنتهزها فرصة لأوجّه دعوة إلى وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» لجعل الرياض مقرها الإقليمي في الشرق الأوسط، فكما جذبت العاصمة السعودية الشركات التقنية والاقتصادية، فإنها قادرة اليوم على أن تكون حاضنةً للمؤسسات الإعلامية الصينية التي تبحث عن موقع متقدم في منطقة الشرق الأوسط.
الرياض اليوم ليست فقط عاصمة المملكة، بل أصبحت عاصمة القرار العربي وصوت المنطقة إلى العالم، ومكانها الطبيعي أن تكون مركزًا لوكالات الأنباء والمؤسسات الكبرى التي تسعى إلى فهم الشرق الأوسط، والتفاعل معه من قلبه النابض.
وهكذا، من الاقتصاد إلى الإعلام، ومن الشركات إلى الصحف، يتأكد أن الرياض أصبحت مركز الجاذبية الجديد للصين في العالم العربي، وأن القوة حين تمتزج بالرؤية والإرادة، فإنها تصنع المكان الذي تتجه إليه القوى العالمية، والرياض اليوم هي ذلك المكان في مرحلة أقل ما نصفها بأن القوة تجذب القوة.