1-المسؤولية الاقتصادية، عبر تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة وفق عدالة في التسعير وشفافية التعامل، والمسؤولية القانونية عبر الالتزام بالقوانين المحلية والدولية واحترام أنظمة العمل والبيئة وحقوق المستهلك.
2-المسؤولية الأخلاقية وتتم عن طريق النزاهة والشفافية في الممارسات ومكافحة الفساد والاستغلال
3-المسؤولية الخيرية والتطوعية، عبر دعم تمويل برامج ومشاريع التعليم والصحة والبيئة وغيرها من المشاريع التنموية ذات الأهمية للمواطن.
ولنأتي الآن على مشاركة القطاع الخاص السعودي في المسؤولية الاجتماعية: رغم أن رؤية 2030 وضعت المجتمع والاستدامة كأولوية، إلا أن مساهمة القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية الحقيقية لدينا لا تزال متواضعة، فالكثير من الشركات تكتفي بحملات دعائية موسمية مع غياب لبرامج صحية وتعليمية وتنموية كبرى تعكس حجم أرباح الشركات، والتي تستثمر ملايين الريالات في الإعلانات، بينما لا يتجاوز إنفاقها على الشراكة الاجتماعية نسبة ضئيلة لا تُذكر. ومن المؤسف أن معظم هذه الشركات تعامل شراكتها الاجتماعية كـ «مكياج تجميلي» لصورتها الإعلامية، وليس كمسؤولية حقيقية وترفع الشعارات عن «خدمة المجتمع». بينما لا ترى المجتمع إلا في المناسبات الدعائية. فالكثير من الشركات تركّز في أنشطتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية على الإعلانات أكثر من الفائدة الحقيقية. وفي المقابل نرى الأرقام تكشف أن أرباح هذه الشركات بمليارات الريالات سنويًا، بينما مساهمتها التنموية لا تكاد تُذكر مقارنة بما يحدث عالمياً.
ولكن كيف نميّز بين الدعم الحقيقي والدعاية؟
في الجانب الصحي – بحكم تخصصي – الدعم الحقيقي يظهر من خلال:
1-وجود مؤشرات قياس واضحة للأثر الصحي (عدد المستفيدين، نسبة التحسن).
2-استدامة دعم البرامج والمشاريع الصحية.
3- الشراكة تكون مع جهات صحية رسمية أو جمعيات علمية لضمان المصداقية.
4- التركيز على القضايا الصحية الجوهرية ويكون الدعم عبر مشاريع مهمة ونوعية كإنشاء المستشفيات كما أسلفنا، أو تشغيلها (المستشفى الجامعي بجامعة الملك خالد ذو الـ 800 سرير تم الانتهاء من إنشائه منذ عدة سنوات ولا زال في انتظار التشغيل) وتوفير أجهزة طبية، وإنشاء مراكز لمرضى التوحد ومراكز غسيل الكلى.
4-دعم الجمعيات الصحية والتعليمية ودعم البحث العلمي ومراكزه.
5-دعم برامج المسؤولية الصحية مثل مكافحة السمنة، السكري.
ولكن ماهو المطلوب لترسيخ هذا المفهوم وإيجاد أرضية صلبة لنشوء مسؤولية اجتماعية حقيقية تتماشى مع رؤية 2030 المباركة، وهنا أطرح بعض النقاط والمحاور والاقتراحات لعلها تساهم في وضعنا على الطريق الصحيح والمثمر
1-إنشاء صندوق وطني للمسؤولية الاجتماعية تُحوَّل إليه المساهمات الإلزامية للشركات وغيرها ويدار بحوكمة مستقلة مع تقارير سنوية معلنة.
2-فرض ضريبة مخصصة للمسؤولية الاجتماعية على الشركات الكبرى والشركات المدرجة في السوق المالية التي تجاوز صافي أرباحها 10 ملايين ريال، بنسبة (1–2%) من صافي تلك الأرباح السنوية. وتحويل حصيلتها إلى الصندوق الوطني للمسؤولية الاجتماعية.
3-اشتراط تضمين الانخراط في المشاركة في المسؤولية الاجتماعية كشرط من شروط ترسية العقود الحكومية حيث تُلزم الشركة بتقديم خطة مسؤولية اجتماعية قابلة للقياس، واقتطاع نسبة (2–3%) من قيمة العقد مباشرة لصالح مشاريع مجتمعية، وامتداد هذا الأثر على الشركات الأجنبية، ووضع معيار المشاركة الاجتماعية كشرط لفتح مقر لها بالمملكة.
4-سياسة المشاركة الاقتصادية التي أطلقتها المملكة عام 2023 تهدف إلى إلزام الشركات، خاصة في العقود الحكومية الكبرى، بتقديم قيمة مضافة محلية عبر التصنيع، التوطين، ونقل المعرفة، بحيث لا يقتصر دورها على جني الأرباح من السوق السعودي. غير أن هذه السياسة، رغم أهميتها، ما زالت تركز غالبًا على الجوانب الصناعية والتجارية، مع غياب البعد الاجتماعي والصحي. وهنا تكمن الحاجة الملحّة إلى دمجها مع المسؤولية الاجتماعية؛ بحيث تُحتسب مساهمات الشركات في الصحة العامة، والتعليم، والبحث العلمي، والبيئة ضمن معايير المشاركة الاقتصادية.
إشراك البعد الاجتماعي سيغلق ثغرة جوهرية، ويحوّل الشراكة من مجرد أداة اقتصادية لتوطين سلاسل الإمداد، إلى سياسة تنموية شاملة تدعم جودة الحياة وتنسجم مع مستهدفات الرؤية.
5-إلزام الشركات المدرَجة في السوق المالية بتقرير سنوي عن الإنفاق المجتمعي وقياس أثره.
6-تقتصر مشاريع المسؤولية الاجتماعية على مجالات (الصحة العامة والوقاية من الأمراض للتعليم والتدريب وبناء القدرات، البحث العلمي والابتكار، البيئة والاستدامة، دعم الفئات المحتاجة وذوي الإعاقة وأخرى قد يراها مُسيرو الصندوق).
7-تلتزم الشركات بإصدار تقرير سنوي معتمد من مراجع خارجي يوضح حجم إنفاقها المجتمعي وأثره. وينشر التقرير ضمن الإفصاحات المالية الدورية.
8-للشركات الملتزمة لها الأولوية في العقود الحكومية. تُدرج الشركات المتميزة في «القائمة البيضاء الوطنية للمسؤولية الاجتماعية». وتمنح حوافز ضريبية/زكوية مقابل الإنفاق المثبت.
9-غرامة مالية لا تقل عن (500.000) ريال ولا تزيد عن (5.000.000) ريال عند الإخلال بالالتزامات. والحرمان من العقود الحكومية لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات وتُدرج في (القائمة السوداء الوطنية للمسؤولية الاجتماعية).
إن تأسيس صندوق وطني للمسؤولية الاجتماعية، مقرونًا بتنظيمات واضحة وفاعلة لمشاركة القطاع الخاص ليس ترفًا إداريًا ولا إجراءً شكليًا، بل هو استثمار في مستقبل الوطن، ويشكل خطوة إستراتيجية لتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في مسيرة التنمية الوطنية. فالمسؤولية الاجتماعية لم تعد مبادرات متفرقة، بل باتت ضرورة مؤسسية ورافدًا وطنيًا أصيلًا، يعزز التماسك الاجتماعي، وتضمن استدامة العطاء وتوزيع المنافع بعدالة، بما يرسخ الشراكة المجتمعية ويواكب تطلعات رؤية المملكة 2030 نحو مجتمع أكثر تماسكًا وتنمية أكثر شمولًا.