لقد كانت الأمم المتحدة منذ تأسيسها مظلةً جامعة للأسرة الدولية، إذ ارتفع عدد أعضائها من 51 دولة إلى 193 دولة اليوم، لتصبح المنصة الوحيدة التي تحظى بشرعية عالمية شاملة. وقد أسهمت على مدى عقود في صياغة منظومة متكاملة من المواثيق والعهود التي تناولت مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وأضحت مرجعًا قانونيًا دوليًا في إدارة العلاقات بين الأمم وحماية الحقوق وتعزيز التنمية.
ولئن ارتبط اسم الأمم المتحدة في الوجدان العالمي بالإغاثة وتقديم المساعدات، فإن دورها يتجاوز ذلك إلى نشر ثقافة السلام وإيفاد بعثات حفظ الأمن في مناطق النزاع، ومواجهة الكوارث الطبيعية، وبناء جسور الحوار بين الشعوب. وقد شكلت مبادراتها الإنسانية الأمل الأول للملايين من ضحايا الحروب والمجاعات والكوارث.
لكن، وبالرغم من هذه الأدوار، فإن أداء المنظمة لم يخلُ من الإخفاق، خصوصًا في القضايا التي ترتبط بتوازن القوى الدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث عجزت عن وقف الجرائم الإسرائيلية المتكررة ضد المدنيين العزّل، في ظل تكرار استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مما أضعف فاعلية المنظمة وأفقدها كثيرًا من مصداقيتها.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل ما أنجزته الأمم المتحدة في ملفات كثيرة، أبرزها القرارات التي صانت الحق القانوني للفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967، إضافةً إلى نجاحها في قيادة توافقات لإنهاء حروب ونزاعات في قارات مختلفة. وقد أكدت هذه النجاحات أن المنظمة، رغم ما تواجهه من ضغوط، ما زالت تمثل ضرورة إنسانية وسياسية في عالم مضطرب.
وفي هذا السياق، برزت المملكة العربية السعودية كأنموذج في تعاملها المتوازن والمسؤول مع المنظمة الأممية، فقد التزمت المملكة على مدى تاريخها بقرارات الشرعية الدولية، وشاركت بفعالية في دعم برامج الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة. كما حافظت على حضورها كأحد أكبر المانحين لبرامجها الإنسانية والإغاثية، ما جعلها تحظى بتقدير واسع من المنظمة والمجتمع الدولي.
وترتبط الأمم المتحدة بعلاقات وثيقة مع المنظمات الإقليمية الكبرى، وفي مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، وتتقاطع أهدافها مع مبادئ الأمم المتحدة في تعزيز السلم الدولي، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ودعم الحوار بين الحضارات، ومحاربة الإسلاموفوبيا، وحماية حقوق الإنسان.
ورغم الانتقادات التي تُوجَّه إلى الأمم المتحدة بشأن محدودية تأثيرها وتراجع قدرتها على فرض الأمن والاستقرار، فإن تجاوزها أو تهميشها ليس خيارًا مطروحًا، بل المطلوب اليوم هو إصلاحها وتحديث منظومتها لتصبح أكثر عدلًا وشفافية وقدرة على تمثيل إرادة الشعوب، لا أن تبقى أسيرة توازنات القوى ومصالح الكبار.
ومن هنا تكتسب الدعوة التي أطلقها مجلس الوزراء السعودي في الأول من أكتوبر 2024 أهمية خاصة، إذ أكد فيها «حتمية إصلاح مجلس الأمن الدولي لتعزيز مصداقيته واستجابته لما يشهده العالم من تصاعد للأزمات وتنامٍ لأزمة الثقة في النظام الدولي». وهي دعوة تعكس رؤية سعودية مسؤولة تؤمن بدور المؤسسات الدولية، لكنها تدرك أيضًا أن فاعليتها لن تتحقق إلا عبر إصلاح عميق يعيد إليها قدرتها على تحقيق العدالة وحماية السلم العالمي.
الأمم المتحدة تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تستعيد دورها التاريخي كمنصة للعدالة الدولية، أو تترك الساحة لمنطق القوة والمصالح الضيقة. والعالم بأسره في حاجة إلى واقع دولي جديد يعيد التوازن والإنصاف، ويجعل من الأمم المتحدة كيانًا أكثر تمثيلًا لضمير الإنسانية وأقدر على مواجهة تحديات المستقبل.