ولا يصح – دائما – التعاطي مع قضايا حديثة كالاحتباس الحراري وحماية البيئة من زاوية علمية بحتة أو من زاوية أخلاقية؛ فكثير من القضايا المتعلقة بالبيئة تحمل مضامين روحية فلسفية وأبعادا دينية ضمنية يفترض على -طالب العالم المتخصص- أن يراعيها ويحيدها في مجال دراسته. كثير من الأطروحات العلمية الغربية تجاه البيئة ليست علمية محضة بل تحمل عاطفة روحانية ومتأثرة بموروث ديني قديم يؤله الطبيعة ضمنيا وتجعل الأرض كائنا حيا ذا وعي وتدبير ذاتي. وبالتالي ترفض فكرة أن الطبيعة مسخرة لخدمة الإنسان وترفض مبدأ الاستخلاف. وتلغي مركزية الإنسان على كوكب الأرض وتلغي أفضليته بل ويمكن أن تتطرف وتنظر للإنسان على أنه فيروس مدمر للكوكب.
وفق هذه النظرة الروحانية للبيئة. فالأرض بكل أنظمتها (الغلاف الجوي والمحيطات والكائنات الحية) تعمل معا وفق نظام ذاتي التنظيم يوازن نفسه تلقائيا ويضبط الظروف كالحرارة والأكسجين والملوحة. للحفاظ على الحياة. فهي كالجسم البشري الذي ينظم حرارته وسوائله. فهي تتصرف كنظام حي متكامل. والإنسان باستغلاله موارد الأرض يخرب مفاتيح توازنها باستهلاكه المفرط ومن هنا تفقد الأرض (ذاتية التنظيم) قدرتها على حماية نفسها فينهار النظام الكوني من الداخل. فأصبح هناك هاجس إنساني بمستقبل سوداوي يهدد حياة البشر على كوكب الأرض.
مع الوقت. بدأ بعض علماء الأرض والمناخ يستخدمون نماذج رياضية وقوانين علمية ترسخ مفهوم التنظيم الذاتي للبيئة، وأصبحت فكرة الأرض الواعية ذاتية التنظيم تتسرب للأوساط العلمية بوصفها مسلمة علمية لا تقبل الجدل. وشجعت على الاستخدام المفرط والمبالغ فيه لمفاهيم مثل (حماية البيئة والطاقة الكونية والاحتباس الحراري والحرارة الكونية) وأصبح ينظر لكوكب الأرض ككائن حي حساس وأدنى اضطراب يعتريه يعد تهديدا وجوديا شاملا يهدد مستقبل الحياة. وأصبحت بعض المنظمات الدولية المتعلقة بالطبيعة تتبنى خطابات تبدو كارثية ومبالغا فيها. وتروج لأفكار متطرفة بدافع حماية الكوكب. كضرورة تقليل عدد السكان فورا من خلال خفض معدلات الإنجاب والعودة لنمط حياة بدائي ومعارضة كل أشكال التصنيع الحديث.
لا ننكر أن خطابات التهويل التي تحذر من مستقبل كارثي على البشرية قد تسربت للأقسام العلمية وأصبحت توجه مسار البحث العلمي لحماية أمنا الأرض من التلوث وارتفاع درجة الحرارة الكونية وانهيار الجليد والتكاثر المتسارع في أعداد المواليد. فالإنسان أصبح عبئا بيئيا وتهديدا وجوديا للطبيعة. بلا شك أن هذا الخطاب غير المتوازن ــ الذي يتعامل مع البيئة وكأنها كائن حي واعٍ والإنسان دخيل يخرب توازنها ــ يحتم علينا إعادة النظر وتقديم سردية بديلة تتعامل مع الإنسان باعتباره مستخلفا ومكرما. سردية أكثر توازنا وأكثر علمية ويحقق الأهداف السامية لعمارة الأرض ومبادئ استخلاف الإنسان عليها.