ترجمة / المدى
تواجه المنظمات الإنسانية في غزة تحديات متزايدة رغم سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، في ظل انخفاض التمويل الدولي وصعوبة وصول المساعدات إلى القطاع، ما يهدد بانهيار شامل للبنية التحتية الإنسانية في المنطقة.
وأدى اتفاق وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحماس إلى دعوات متزايدة من قادة العالم لإعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته الحرب، لكن فكرة إعادة الإعمار تبدو بعيدة المنال بالنسبة للعاملين الإنسانيين الذين يحاولون التخفيف من المعاناة وسط تراجع التمويل وصعوبة الوصول.
منذ دخول الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا الشهر، تحاول الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تعزيز عمليات الإغاثة في غزة للوصول إلى الفلسطينيين الجرحى والنازحين، إلا أن المهمة تواجه عقبات كبيرة في ظل انهيار التمويل والثقة العامة خلال السنوات الأخيرة.
وتشهد غزة أزمة إنسانية حادة بعد انهيار جزئي للبنية التحتية ونقص حاد في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، إلى جانب معاناة آلاف العائلات التي فقدت منازلها نتيجة العمليات العسكرية. وتشير تقارير المنظمات الإنسانية إلى أن أكثر من 1.4 مليون شخص بحاجة عاجلة إلى مساعدات غذائية، فيما يعاني أكثر من نصف مليون طفل من سوء تغذية حاد، في وقت يشهد فيه قطاع الكهرباء انهيارات متكررة تؤدي إلى توقف الخدمات الحيوية.
قال ريتشارد برينان، المدير الإقليمي السابق للطوارئ في منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمر نظمته منظمة «ميد غلوبال» في شيكاغو، إن «إجمالي التمويل الإنساني انخفض كل عام منذ عام 2022. هذا العام حصلنا فقط على 50% مما تلقيناه العام الماضي، ونحن بالفعل في أواخر شهر أكتوبر».
وأضاف أن تراجع التمويل ستكون له آثار كارثية، مشيراً إلى دراسة نشرتها مجلة «ذا لانسيت» قدّرت أن نحو 40 مليون شخص سيموتون بحلول عام 2030 نتيجة ضعف الأنظمة الإنسانية. واتهم برينان الولايات المتحدة بلعب دور رئيسي في إبطاء الاستجابة الإنسانية عبر وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي الجهة الوحيدة التي تملك بنية تحتية قادرة على تلبية احتياجات سكان غزة.
تتهم إسرائيل الأونروا بدعم حماس، ما دفع عدداً من الدول إلى تعليق تمويلها للوكالة، رغم عدم وجود أدلة مثبتة على هذه المزاعم. ومع ذلك، منعت إسرائيل الأونروا من العمل في القطاع، متهمة حماس بسرقة المساعدات من المدنيين. وأمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بالسماح بدخول المنظمات الإنسانية إلى غزة، مؤكدة أن «القوة المحتلة لا يمكنها التذرع بأسباب أمنية لتبرير تعليق جميع الأنشطة الإنسانية».
وفي سياق متصل، أشار خبراء إلى أن قرار إدارة ترامب بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) عام 2020 أدى إلى تقويض جهود المساعدات الفيدرالية. وقال جيريمي كونيانديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية، إن «العقبات السياسية هي الحاجز الأساسي أمام تلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة، والتراجع عن الالتزام بالمبادئ الإنسانية سيطارد الحكومات والمنظمات لسنوات».
من جانبها، قالت إيناس حمدان، مديرة الإعلام في الأونروا بغزة، إن «ما مرّ به سكان القطاع يفوق قدرة أي إنسان على التحمل»، مؤكدة أن الوضع الإنساني كارثي على مختلف الأصعدة، خاصة مع الأعداد الكبيرة من الجرحى والضحايا. وأوضحت أن «الأونروا هي الجهة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تقدم خدمات الإغاثة للاجئين الفلسطينيين في خمس مناطق، تشمل غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا».
وحاولت منظمات المجتمع المدني والوكالات الدولية تقديم مساعدات عاجلة شملت الغذاء والمياه والمواد الطبية، غير أن محدودية الموارد وانقطاع الطرق أعاقت وصول الدعم إلى جميع المناطق المتضررة. وناشدت الأمم المتحدة كافة الأطراف تسهيل دخول المساعدات وتوفير حماية آمنة للمدنيين.
ويرى المراقبون أن استمرار وقف إطلاق النار لا يكفي لمعالجة الأزمة، وأن الحلول المستدامة تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً فعالاً وفتح قنوات دعم مالي عاجل لتجنب انهيار كامل للبنية الإنسانية في غزة.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول في منظمة «هيومانيتي آند إنكلوجن» إن تطهير قطاع غزة من الذخائر غير المنفجرة سيستغرق ما بين 20 و30 عاماً، واصفاً القطاع بأنه «حقل ألغام مفتوح». وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 53 شخصاً قتلوا وأصيب المئات بسبب مخلفات الحرب، بينما تؤكد منظمات الإغاثة أن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير.
عن وكالات عالمية